هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتديات الخزاعلة الأردنية
ملتقى لكل الأردنيين
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العلمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الأطهار الطيبين ....منتديات الخزاعلة الأردنية ترحب بكم.. مدير الموقع ( م. حمزة خلف الخزاعلة )
ما أجمل هذين البيتين ...... أجل لما قرنت ذنبى بعفوك إلهى ، كان عفوك أعظما ...... أتعلم أيها القارىء العزيز من هو قائل هذين البيتين؟ انه أفصح العرب ، أشعر الناس وآدب الناس ، حبر الأمة وإمام الأئمة وقال عنه الإمام ابن حنبل أنه ملأ طباق الأرض علما كما قيل عنه كأن لسانه ينفث الدر وقد ولد يوم وفاة أبو حنيفة فقيل ساعتها: مات إمام وولد إمام إنه الإمام الشافعى
وهو ابوعبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع ...... ولد بغزة عام 150 ثم حمل إلى مكة وهو فى الثانية من عمره ، تعلم فى الكتاب وبعده – من شدة شغفه بالعلم – كان يكتب الحديث على الخزف والجلود وأغصان النخل العريضة وعظام كتف الجمل إلى جانب الأوراق. ثم ارتحل إلى البادية ومكث مع أهلها 17 سنة ثم ذهب إلى المدينة وأقام بها حتى توفى مالك بن أنس الذى تعهده بالرعاية ثم ذهب الشافعى إلى اليمن ثم تنقل بين بغداد ومكة المكرمة .... وعندما وفد إلى مصر عام 199 ، أخذ يتردد على جامعة الفسطاط للصلاة ولحضور حلقات العلم ثم أصبحت له حلقته العلمية الخاصة به والتى كان يتردد عليها الكثيرون ممن كانوا يريدون أن ينهلوا من ينابيع علمه وعذب حديثة وحكمته الرزينة ، ويصف الدكتور/ محمد عبد المنعم خفاجى - فى كتابه ديوان الشافعى – إنطباع المصريين عن الشافعى إذ يقول: "ورأى الناس عالما من قريش ، يجلس فى جامعتهم للتعليم ، يصلى فلا يرون أحسن صلاة من صلاته ويتحدث فلا يسمعون أعذب حديثا من حديثه مع صباحة وجهه وواسع كرمه وعلو كعبه ، فافتتنوا به وواظبوا على الجلوس فى حلقته". وقد ألف الشافعى فى حياته كتبا كثيرة منها الرسالة والأم ، أحكام القرآن ، جماع العلم وغيرها كما ثثلمذ على يديه فقهاء وعلماء كثيرين.
أما بالنسبة لعلاقته بالشعر فقد كان الشافعى يحفظ شعر العرب وخطبهم كما حفظ عشرة آلاف بيت من شعر الهذليين (وهو شعر جاهلى اسلامى فصيح فيه كثير من الحماسة والفضائل والحكمة) وقد كتب الإمام الشافعى فى حب آل بيت الرسول الكريم محمد – ص – وفى مدح الخلفاء الراشدين والإمام أبو حنيفة.
وعجبت كثيرا لنفسى كيف غاب عنها هذا الإبداع الراقى لهذا الإمام الجميل -وعذرا فأنا لست للنقد الأدبى والشعرى أهلا – لكننى وجدت شعرا قديما جدا فى أيامنا هذه تنطبق عليه صفة: السهل الممتنع لشخصية تتمتع بمحبة واحترام كل المصريين وكنت قد تعودت من دراستنا لحصة البلاغة أيام الدراسة بالمدرسة أن الشعر القديم والجيد هو ذاك الشعر الفصيح حيث يتكون البيت من شطرتين ووزن وقافيه موحدة إلى جانب فخامة لغته وعمق معانيه وأحيانا كثيرة غريب ألفاظه التى كنا نضطر كثيرا للبحث عن مترادفات لها كى تستطيع عقولنا الغضة آنذاك أن تفهمها جيدا وتحفظها عن ظهر قلب بقليل أو كثير من الجهد ..... أما يا سادة يا كرام ، ما حدث مع الإمام الشافعى فقد كان شيئا مختلفا ، فقد وجدت شعرا فخما عميق المعانى لكنه فى نفس الوقت بسيطا واقعيا يصلح فى معظمه لكل الأزمان يمتلىء بالحكمة والموعظة ويبتعد عن غريب الألفاظ ، كما جعلتنى قرائتى لشعر الشافعى أكتشف بعضا من حسه الفكاهى حيث رسمت بعضا من أبياته – إلى جانب العظة والحكمة – البسمة على وجهى فمثلا من أقواله :
ومن لم يذق مر التعلم ساعـة تجرع ذل الجهل طول حياته ومن فاته التعلم وقت شبابـه فكبـر عليـه اربعـاً لوفاتـه
رحمة الله على الإمام الشافعى الذى ترك وراءه – فى رأييى – ثروة لا تقدر من ضمنها أبياته الشعرية الرائعة والتى تناول فيها كثيرا من الموضوعات التى يصعب على مقال واحد أن يشملها أو حتى يتضمن معظمها
يقول الامام الشافعى فى فضائل الجود والكرم :
أجود بموجودٍ ولو بت طاويـاً على الجوع كشحاً والحشا يتألم وأظهر أسباب الغنى بين رفقتي لمخافهم حالي وإنـي لمعـدم وبيني وبين الله اشكـو فاقتـي حقيقاً فـإن الله بالحـال أعلـم
كما يقول:
إذا لم تجودوا والأمور بكم تمضي وقد ملكت أيديكم البسط والفيضـا فماذا يرجـى منكـم إن عزلتـم وعضتكم الدنيـا بأنيابهـا عضـا وتسترجـع الأيـام مـا وهبتكـم ومن عادة الأيام تسترجع القرضا
كما يعلمنا الامام الجليل أن الإعتـذار من الآداب الاعتراف بالذنب حيث يقول:
قيل لي قد أسى عليك فلان ومقام الفتى على الذل عـار قلت قد جاءني وأحدث عذرا ًدية الذنب عندئذٍ الإعتـذار
كما يقول فى آداب نصح الغير:
تعمدني بنصحك في انفـرادي وجنبني النصيحة في الجماعة فإن النصح بين النـاس نـوع من التوبيخ لا أرضى استماعه
وعن فساد طبائع الناس كتب يقول:
ألم يبق في الناس إلا المكر والملق شوك إذا لمسوا ، زهر إذا رمقوا
فإن دعتك ضـرورات لعشرتهـم فكن جحيماً لعل الشـوك يحتـرق
كما يقول أيضا:
إذا رمت أن تحيا سليماً من الردى ........ ودينك موفـور وعرضـك صيـن فلا ينطقن منـك اللسـان بسـوأةٍ ......... فكلـك سـوؤات وللنـاس ألسـن وعينـاك إن أبـدت إليـك معايبـاً ........ فدعها وقل يا عين للنـاس أعيـن وعاشر بمعروفٍ وسامح من اعتدى ......... ودافع ولكن بالتـي هـي أحسـن
وهو القائل:
ولما أتيت الناس أطلـب عندهـم أخـا ثقـةٍ عـن ابتـلاء الشدائـد تقلبت في دهـري رخـاء وشـدة وناديت في الأحياء هل من مساعد؟ فلم أر فيما ساءني غيـر شامـتٍ ولم أر فيما سرني غيـر حاسـد
وكنت أحفظ بعضا من هذه الأبيات وأرددها تبعا لمقتضى الحال فى سنوات طفولتى الأولى لكننى للأسف لم أكن أعلم أن ناظمها هو هذا الإمام الجليل آنذاك ومنها:
نعيب زماننا والعيـب فينـا ..... وما لزماننا عيـب سوانـا ونهجوا ذا الزمان بغير ذنب ٍ...... ولو نطق الزمان لنا هجانـا وليس الذئب يأكل لحم ذئبٍ ....... ويأكل بعضنا بعضا عيانـا
وأيضا قوله:
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها ......... فرجت وكنت أظنها لا تفرج
وقوله:
سهرت أعين ونامت عيون ..... في أمور تكون أو لا تكون فادرأ الهم ما استطعت عن النفس ..... فحملانك الهموم جنون إن ربا كفاك بالأمس ما كان ..... سيكفيك في غد ما يكون
وكما فى السفر خارج الوطن من إحساس كبير بالغربة إلا أن له خمس فوائد إذ قال الإمام الشافعى فى السفر:
تغرب عن الأوطان في طلب العلى وسافر ففي الأسفار خمس فوائـد تفريـج هـم واكتسـاب معيشـةٍ وعلـمٍ وآدابٍ وصحبـة مـاجـد
وفى تأمل لحال الدنيا وتقلب الخطوب على الانسان وتوالى الاحداث التى يصنفها الانسان لسيئة وجيدة من منظوره البشرى الدنيوى يقول الإمام الشافعى:
الدهر يومان ذا أمن وذا خطـر والعيش عيشان ذا صفو وذا كدر أما ترى البحر تعلو فوقه جيف ....... وتستقر بأقصى قاعـه الـدرر وفي السماء نجوم لا عداد لهـا ....... وليس يكسف إلا الشمس والقمر
وعن الرضا بما قسم الزمان يقول:
وما كنت راضٍ من زماني بما ترى ....... ولكنيي راضٍ بمـا حكـم الدهـر فإن كانت الأيـام خانـت عهودنـا ........ إنـي بهـا راضٍ ولكنهـا قهـر
وقوله الذى يجمع بين الدعوة ٳلى الرضا وبين التفاؤل:
دع الأيام تفعل ما تشاء ..... وطب نفسا إذا حكم القضاء ولا تجزع لحادثة الليالي ..... فما لحوادث الدنيا بقاء
ولأننى أقدر العلماء وأهوى العلم الذى يأخذ من نفسى جانبا كبيرا ولأننى أعرف قدر العلم والعلماء الأجلاء ومشقة ومعوقات البحث العلمى الأمين فليس سهلا على أن أنهى مقالى عن الإمام الجليل دون أن أسجل أبياته الجميلة التى توضح مدى تقديره واحترامه للعلم وقدره...........ومن أبياته التى أعجبتنى فى هذا المجال:
أخي لن تنال العلم إلا بستةٍ ....... سأنبيك عن تفصيلها ببيـان ذكاء وحرص واجتهاد وبلغه ....... وصحبة أستاذٍ وطول زمان
العلم من فضله لمن خدمه ...... أن يجعل الناس كلهم خدمه
ولا أجد خير دليل على حالى بعد قراءاتى لسيرة حياة وأشعار الإمام الشافعى سوى قوله:
كلما أدبني الدهـر ..... أراني نقص عقلـي وإذا ما ازددت علما ...... ًزادني علماً بجهلي
ولا أملك فى النهاية الا أن أدعو لهذا الإمام الجليل الذى كان عليما بالقرآن والحديث والفقه واللغة وعلم النجوم وأنساب العرب والذى أمتع عقلى وقلبى وعذرا لأى تقصير على أمل بلقاء جديد فى يوم جديد بإذن المولى الكريم.
المراجع:
كتاب ديوان الشافعى (حبر الأمة وٳمام الأئمة): للدكتور/ محمد عبد المنعم خفاجى