كيف تفضح أهل الفساد دون خراب بيتك!؟

في
كتاب مهم تُرجم إلى العربية عنوانه "المقاومة بالحيلة: كيف يهمس المحكوم
من وراء ظهر الحاكم"، أمثلة وحكايات ملهِمة حول كيفية لجوء المستضعفين
والمقهورين والمستعبدين إلى صياغة خطاب خاص بهم، يتم عبره انتقاد السلطة
الظالمة والتعريض بها والسخرية منها وفضح ممارساتها، باستخدام تعابير ورموز
وإيماءات ذكية، يصعب للمهيمنين على السلطة ضبطها ومعاقبتهم عليها.

أظن
أن على كل أردني أن يبادر على عجل إلى قراءة ذلك الكتاب، وبخاصة بعد إقرار
ذلك القانون العرفي من جانب مجلس النواب، الذي أريد منه ـ ويا للعجب ـ
مكافحة الفساد، قاضياً بتغريم "كل من أشاع أو عزا أو نسب، دون وجه حق، إلى
أحد الاشخاص أو ساهم في ذلك بأي وسيلة علنية كانت أياً من أفعال الفساد"
بغرامة تقصم الظهر تتراوح قيمتها، فقط، بين 30 و 60 ألف دينار! ومعنى مصطلح
"دون وجه حق" الذي يتحدث القانون عنه، سيظل مفتوحاً بالطبع على تأويلات
ودلالات لا نهاية لها، ومن يقبضون على زمام السلطة هم من يحددون ملامحها
وتفاصيلها على هواهم!

من الآن فصاعداً، على المعنيين بانتقاد الفساد
وكشفه ومحاصرته، أي على كل أبناء الشعب الأردني بعبارة أخرى ـ باستثناء
اللصوص ومن والاهم ـ أن يتحروا أقصى درجات الحذر والمكر والتقية والتشفير
في حربهم ضد الفساد، وإلا فإن على واحدهم أن يتهيأ لخراب بيته وبيع ما فوقه
وما تحته، إذا ما غامر بفضح جرذ واحد من الجرذان السمينة الفاسدة! وبما أن
بيع الذي فوق والذي تحت قد لا يكفي في معظم الحالات لتأمين ذلك المبلغ
الفلكي بالنسبة لملايين الأردنيين المفقرين، فإن عليهم أن يتوقعوا التعفن
في السجون؛ فمن يعجز عن دفع غرامة موقفه الشريف لن تسامحه الحكومات
المحروقة على المساس بفاسديها، وستجعله يدفع ثمن حرصه على محاربة الفساد
وقول كلمة الحق سنوات طويلة تستنزف عمره في غيابة السجن!

تجنباً
لذلك المصير المظلم، أذكّر بأن من أساليب مكافحة السلطة الفاسدة استخدام
التوريات والرموز التي تُعجز تلك السلطة، عمياء البصيرة في العادة، عن
إمساك ممسك قانوني ضد المرء. فعلى سبيل المثال، إذا كنت تثق أن فلاناً من
كبار المسؤولين هو مجرد لص وضيع، لا أظن أنك تحتاج إلى ذكر اسمه الصريح في
معرض التشهير بجرائمه، مع أن ذلك أقل ما يمكن أن يشفي الغليل! فإذا كان
لاسمه علاقة بالتبسم مثلاً، يكفي، كي تدل الناس عليه، أن تومي إلى أن
صاحبنا ليس اسماً على مسمى، فقد سرق البسمة من وجوه الناس بجرائم بيع
البلد! وإذا كان اسمه يتصل بالهدى، يكفي أن تدعو له بالهداية حتى يصير
هادياً مهتدياً، وإن كان ذلك عسير التحقق، بعد أن جاوز السبعين ولم يهتد،
وسيعرف الناس من المقصود! وإذا كان متكرشاً واسمه مثل اسمي مثلاً، يكفي أن
تشير إلى أن كرشه سيذوب وهو خالد في نار جنهم إلى أن يشاء الله، حتى يفطن
الناس عمن تتحدث!

الرموز الرشيقة الوامضة تكفي لإيصال الرسالة،
فشعبنا لحسن الحظ شعب لماح ويفهم بـ "الوما" والإشارة، وليطقّ كبار اللصوص
الذين لن يستطيعوا فعل شيء لك بغيظهم! لكني أظن أنهم سيبحثون عندها عن
طرائق أخرى بعيدة عن المسالك القانونية المزعومة لإسكاتك والاقتصاص منك،
كانتظارك مثلاً أمام مخبز (صلاح الدين) بفروعه المختلفة، وساعتها لك الله،
إن لم تكن حاصلاً على الحزام الأسود في التايكوندو وقتال الشوارع، وتمكنت
من تلقين البلطجية الذين قد يتربصوا بك درساً قاسياً لن ينسوه، كذاك الذي
تلقوه في معمعة الزرقاء الشهيرة على يد صناديد أهل السلف!

لكن
المطمئن في الأمر، حتى وإن لم يشرع المرء مباشرة في تلقي دورات مكثفة في
فنون الدفاع عن النفس، أن لعبة مخبز (صلاح الدين) باتت لعبة ممجوجة وخطيرة
جداً على لاعبيها أولاً وأخيراً، فمن أصروا على التلهي بها في مصر وتونس
وليبيا، داستهم جموع الناس أو انتهوا جميعاً كالفئران وراء القضبان، ومهما
كان غباء السلطة وأزلامها، فإنهم لا يريدون أن يصيروا إلى تلك النهايات
الفظيعة!

لا أظن أن القانون البائس قد وُضع موضع التنفيذ بعد، لذلك
فإن على الناس استغلال الفترة التي تسبق ذلك وسع جهدهم، بألا يتركوا فاسداً
واحداً إلا ويجرّسوه، وبما أمكن من وثائق يستطيعون إليها سبيلاً، وصراحةً
هذه المرة، فلعل وعسى، مع أنني أثق أن كبار أهل الفساد يتمتعون بحصانة
بلاتينية رسمية لا يمكن اختراقها، حتى وإن جئنا بألف دليل ودليل على
فسادهم!

كلمة أخيرة أقولها حتى أنفس عن بعض ما بي من غضب، وربما من
باب الضبط المنهجي الاصطلاحي: كل مسؤول حكومي كبير، مارس التجارة أو أساء
استخدام صلاحياته أثناء توليه منصبه، ويملك، كأموال منقلولة أو غير منقولة،
ما يزيد عما يمكن حيازته باستغلال راتبه الشرعي المعلن، هو لص وفاسد ووغد،
مهما كان اسمه أو أصله أو فصله أو موقعه، فكم عدد اللصوص في البلد!؟

بقلم: الدكتور خالد سليمان

ما أروع قلمكم حين يصول ويجول

بين الكلمات تختار الحروف بكل إتقان ..
تصيغ لنا من الإبداع سطور تُبهر كل من ينظر إليها ..

دمتم بحب وسعادة

» #دورة حوكمة الشركات للحد من الفساد المالي #مركز الخبرة الحديثة للتدريب والاستشارات
» #دورة الاستراتيجيات العلمية والعملية لمكافحة الفساد الإداري والمالي #مركز الخبرة الحديثة للتدريب